في أفق معجم عربي وظيفي

في أفق معجم عربي وظيفي

-مدخل نظري-

د. الحبيب مغراوي

عرف تعلم اللغة العربية إقبالا متزايدا في الآونة الأخيرة في سياق تفاعل الأمة العربية مع غيرها، حضاريا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، مما رفع سقف التحدي، وأوقف المهتمين أمام مشروع رائد يقتضي تيسير تعلم العربية وتذليل العقبات أمام المقبلين عليها من الناطقين بغيرها، وإعداد الوسائل الكفيلة بذلك، والمستجيبة لحركة التطور العلمي والبيداغوجي وتحولات الظروف وطبيعة الحاجات المرحلية للمتعلمين.

ولعل الانطلاق يجب أن يكون أولا من إصلاح مناهج التعليم والتعلم وأساليبهما، وأولوية المنهج في سياق هذا المشروع، يقتضيها كونه روح العملية التعليمية وبه قوامها، ومن خلاله تحقق غاياتها وأهدافها.

1- ضرورة التجاوز:

إن أول المناهج التي تتطلب مراجعة وتقييما جذريا هي مناهج الصناعة المعجمية العربية المعاصرة التي لم ترق بعد إلى مواكبة واقع اللغة العربية وديناميتها، ولم تقدم الحلول الملائمة للمقبلين على تعلم العربية من أهلها فضلا عن الناطقين بغيرها. حيث ما زالت تدين بالولاء للمنتج المعجمي التراثي، الذي – ورغم إنجازاته الباهرة التي همت جمع المتن اللغوي العربي- لم يستطع تقديم الحلول الملائمة لمشكل الاكتساب أو تعلم اللغة. فآلاف المفردات المبثوثة في بطون الكتب المعجمية لم تسعف القارئ العربي في تكوين ملكة لغوية تواصلية يستطيع من خلالها التعبير عن أغراضه والتواصل مع بني جنسه لفظا أو كتابة، وعلة ذلك بكل وضوح: أنها لم تكن معاجم تعليمية ولم تضع غاية التعليم ضمن استراتيجيتها بل كان غرضها الحفظ والتوثيق مخافة ضياع المفردات.

ورغم ما تبديه بعض المعاجم المعاصرة في مقدماتها مثل المعجم الوسيط والمعجم العربي الأساسي، من رغبة في تجاوز الرؤية المعجمية السابقة إلا أنها على مستوى التطبيق تظل رهينة لتلك الرؤية حبيسة مناهجها وتطبيقاتها. فـ<<العصرية لا ينالها معجم بتقليص حجمه أو بتمطيطه، ولا بإخضاعه لهذه التقنية أو تلك في التبويب والتصنيف، إنها، على الأصح، صفة ملازمة لتصور متكامل يشمل المنهج والمادة، تصور ينأى عن نسخ التصور القديم>> .

وهذه الحقيقة تكشف عن فراغ واضح في مدخلات مناهج تعليم اللغة العربية، وفي مدى استعدادها وأهليتها لتيسير تعلمها وخاصة للناطقين بغيرها، وعبء ملء هذا الفراغ يقع على عاتق المعاهد والمراكز المختصة والجامعات والمختبرات، بل وعلى الدول والحكومات العربية. لأن هذا الموضوع ينصب في سياق إصلاح المشروع اللغوي عامة والذي يجب أن يندرج ضمن المشروع الثقافي للدولة والنخبة والمجتمع.

2- المعجم بين خصوصية الفئة وطبيعة اللغة

إن إعادة النظر في منهج الصناعة المعجمية المعاصرة ومادتها، تمليه طبيعة وخصوصية الفئة المستهدفة وحاجاتهم، وهم الناطقون بغير العربية، الراغبون في امتلاك كفاية تواصلية تمكنهم من الاندماج السلس في تفاصيل الحياة العربية والتعبير عنها بلسان القوم. وللمعجم حيز فسيح للإسهام في إكساب المتعلمين هذه الكفاية من خلال تعليم اللغة وتمكين المتعلم من اكتساب القدرات والمهارات والربط السليم بين المفردات ومعانيها فيما ينجز من جمل وتراكيب. إذا ما أحكم نظامه، وتأسس منهجه على رؤية علمية.

ونشير هنا إلى أن العملية التعليمية التعلمية لا تسير بشكل ميكانيكي يتم من خلاله نقل مفردات أو تراكيب إلى المتعلم فيحفظها ليرددها، إن الأمر أبعد من ذلك، إذ يقتضي إدماج المتعلم في تفاعل بين اللغة وحمولتها الفكرية والحضارية والاجتماعية، كما يفعل بالطفل وهو يكتسب لغته، إلا أن الطفل يترك للاكتساب التلقائي، بينما المتعلم البالغ يكتسب اللغة الثانية بالتلقين، فعندما نلقنه يجب أن نضع نصب أعيننا أننا لا نلقنه لغة مجردة بعيدة عن الواقع، وإنما نلقنه لغة تقرأ الكون والوجود والحياة قراءة خاصة، وتقدم له رؤية جديدة للموجودات، لأنها لغة أمة، والأمة لها رؤيتها وخصوصيتها الفكرية، ومن جهة أخرى فإن الطفل إذا كان يلتقط اللغة ويبني تصوره حول مكونات الوجود وتفاصيل الحياة في آن واحد، فإن المتعلم البالغ يأتي وقد بنى له مستوى من الفكر وحدد تصوره للوجود بلغته الأم، ويحتاج فقط إلى التعبير عن ذلك الفكر أو بناء تصور جديد بلغة ثانية قصد التواصل مع أهل تلك اللغة.

لذلك فمعلم اللغة للناطقين بغيرها، وهو يوظف المعجم، يجب عليه أن يتعامل مع اللغة باعتبارها تصنع فكرا، وتبني رؤية تنسجم مع الرؤية الاجتماعية للناطقين بتلك اللغة. مما يستدعي مساءلة مدى قدرة الدرس اللغوي، وخاصة الصناعة المعجمية، على الإيفاء بحاجة المعلم لتقديم اللغة بتلك المواصفات وبحاجة المتعلم للتعبير عن تصوره وفهم الواقع الجديد الذي يريد أن يندمج فيه.

إن اللغة بهذا المعطى–وهي داخل المعجم- ليست في الواقع وسيلة لتمثيل حقائق كانت معروفة وحسب، ولكنها بالأحرى وسيلة للكشف عن حقائق مجهولة، ومن ثم فتعلُّم العربية تعلُّم لما تنطوي عليه مفرداتها من ظلال دلالية واجتماعية كانت مجهولة، أي أن المتعلم مفروض عليه الخضوع لمواضعاتها السياقية وخصائصها المفهومية،لأنها <<أداة للتحليل، وقبلها يكون الفكر مركبا غير واضح، واللغة لا تسمح للفكر بأن يبرز في شكل من الأشكال إلا بفضل العمل الذي تجريه على الواقع، وذلك بأن تقسم هذا الواقع إلى عناصر وأجزاء وتفرض على كل واحد منها اسما من الأسماء... وهكذا فإن الفكر الذي ظل إلى ذلك الحين كامنا وغامضا، سيظهر ويعلن عن نفسه>> . ولعل هذا حال متعلم اللغة العربية الناطق بغيرها، عندما يكون في وضعية جديدة بالنسبة إليه، حيث تنوعات كثيرة من عناصر الكون والبيئة وأشكال من السلوك والمعاملات فلا يدري كيف يفك ألغازها، وكيف يفسر طبيعة العلاقات بينها، وكيف يحقق الناس أغراضهم في ظل هذه الوضعية، فلا يجد غير لسان القوم سبيلا للاندماج بينهم وتقييس فكره على أساس اللسان الموجود أمامه، وهذه العلاقة بين اللسان والفكر هي ما يوضح دي سوسير من وجهة سيكولوجية قائلا"<< بغض النظر عن التعبير بالألفاظ ليس فكرنا إلا كتلة عديمة الشكل وغير متميزة، ولقد وقع إجماع الفلاسفة وعلماء اللسان أننا نكون عاجزين، بغير الاستعانة باللسان، عن التمييز بين فكرتين بكيفية واضحة وثابتة، ولو اعتبرنا الفكر في ذاته لتبين لنا أنه عبارة عن سديم وعماء ضبابي ليس فيه بالضرورة شيء محدد، فليس هناك معان وأفكار قد سبق وضعها، ولا وجود لأي شيء متميز قبل ظهور اللسان>> .

3- الأبعاد الموجهة لصناعة المعجم الوظيفي:

إذا نظرنا إلى اللغة باعتبارها كائنا اجتماعيا، وأن اللساني كما يعتبره جرينبرغ لا يمكنه أن يضع المعاني إلا بمراعاة الجوانب غير اللغوية للثقافة ، فإننا نقرر بوضوح أن اللغة العربية لن تُسلم نفسها لمتعلم العربية من الناطقين بغيرها على أنها مجرد كلمات متناثرة في معجم، أو مفردات تحمل معاني جزئية لا رابط بينها ولا قرابة، وخاصة على المستوى الدلالي، كما تفعل المعجمات العربية الموجودة مهما تطورت آليات تقديمها للمادة المعجمية مع استثناء الجهد الكبير الذي قام به بعض العلماء قديما من خلال تأليف معجمات تتضمن مفرادات تنتمي لفصيلة واحدة أو موضوع واحد. إن كلمات اللغة سوف تتيح للمتعلم أن يتجاوز المستوى الفردي للتصور والعاطفة ، فهي تعقلن الفكر وترتبه وتميزه وتعممه وتعمل على تجريده.

إن استدعاء مفهوم القرابة في هذا السياق يوحي بدلالة اجتماعية للغة، ويستدعي معه وشائج التلاحم والترابط بين مفرداتها، أي أن المعلم للناطقين بغير العربية يجب أن يستحضر البعد الاجتماعي للغة أيضا، بمعنى استحضار البعد الاستعمالي السياقي لمفرداتها التي تنتظم في أنساق تركيبية وحقول مفهومية، تستمد منها حياتها وحيويتها. وإلا فإنها إذا اجتثت من سياقاتها، و عزلت عن حقولها ستصبح مواتا لا حراك لها. لأن <<اللغة ظاهرة حياتية اجتماعية صارت من أكثر الظواهر التصاقا بحياة الأفراد، تخضع لمقاييس المجتمع وأعرافه، وتقاليده، وثقافته، بل هي الطريق لكشف عادات المجتمع، وتقاليده، ومستوياته الثقافية، والمعرفية والحضارية، فهي قطعة من الحياة، بل إنها صانعة ومبدعة لها أن تنشأ في المجتمع، وتسير معه وتتغذى بغذائه، وتنهض بنهوضه، وتركد بركوده>> .

نستخلص من هذا الكلام أن المفردات تتحدد بقيمتين أساستين هما: القيمة الاجتماعية والقيمة السياقية. أي أن صانع المعجم يجب أن يضع هاتين القيمتين في الاعتبار، وخاصة إذا كان المستهدف هو المتعلم الناطق بغير العربية، الذي ينشد اكتساب كفاية تواصلية بها.

1- على مستوى القيمة السياقية:

يدرك المتصفح للمعجم، أيا كان هذا المعجم، أن المفردة تتعدد معانيها الاحتمالية، ولكنها في السياق لا تحمل إلا معنى واحدا لا يتعدد، ويتعين تحديده بقرائن، قد تكون مقالية وقد تكون حالية. أي أننا سنكون أمام معنى لغوي ومعنى سياقي، والمعنى السياقي هو الذي يعني متعلم اللغة عامة، والناطق بغيرها خاصة. لأن المعنى اللغوي كامن بالقوة في المعجم، والمتكلم هو الذي يحوله من القوة إلى الفعل عبر الاستعمال والتداول واستحضار جميع مكونات الفعل الكلامي ومنه المكون اللغوي والمكون المقامي. والمكون الأخير هو الذي يضفي على المفردات الحياة ويدفع المتعلم لمسايرة دلالاتها المتنقلة من سياق لسياق، ويتشوق لمعرفة منظومتها الدلالية وعلاقاتها الأسرية المعنوية..



أولا: أهداف تدريس التعبير وأركانه:

1- الأهداف:

يمكن إجمال أهداف تعليم التعبير بالنسبة للمستوى المتقدم في سياق تعليم العربية للناطقين بغيرها في الأمور الآتية:

- اختبار كفايات المتعلمين ومدى تمكنهم من المهارات الأساسية.

- تمكين المتعلمين من التعبير عن حاجاتهم ومشاعرهم وخبراتهم بطرق إبداعية.

- تنمية رصيدهم من المفردات والأساليب الفنية.

- القدرة على اختيار الكلمات المناسبة للمعنى حسب السياق.

- التعرف على إمكانات اللغة الإبداعية والأدبية.

- اكتساب مهارة الإيجاز مع وضوح المعنى.

- تنمية كفاية الربط المنطقي بين الأفكار وتسلسلها من خلال اللغة.

- تنمية القدرة على التعبير عن مواقف حياتية ومواجهتها بالأساليب اللغوية المناسبة.

- رفع منسوب الثقة في الذات ومساعدتهم على الاندماج والتواصل العفوي في المجتمع.

- ربط صلة المتعلمين بالكتاب العربي ومساعدتهم على التثقيف الذاتي.

- القدرة على اختيار الاستشهادات المناسبة وتوظيفها في الموضع المناسب.

- تمكين المتعلم من بلوغ مراده بواسطة اللغة العربية بيسر ووضوح.

- تحسيس المتعلمين بالبعد الثقافي في اللغة.


2- الأركان:

بما أن الكلام عملية إدراكية فإن التعبير باستعمال الكلام يستند إلى أركان أساس هي بمثابة دعامات ينبغي توفرها وتفعيلها في سياقات التعليم والتعلم لكي يحقق التدريس أهدافه بالجودة المطلوبة؛ ونجمل هذه الأركان فيما يأتي:

• الدافعية للتكلم:

من المعلوم ضرورة أن دوافع التعبير باللغة الأم في سياق الحياة الطبيعية كثيرة ومتعددة، غير أنها في السياق التعليمي والتعلمي بلغة أجنبية ينبغي أن تدخل ضمن سيرورة مندمجة غايتها تحقيق الأهداف المسطرة حسب كل مستوى تعليمي. ومن هذا المنطلق فإن تدريس التعبير بالنسبة للمتعلم في المستوى المتقدم ينبغي أن يراعي الأفق التواصلي الذي ينشده وتقتضيه الأهداف أعلاه من حيث توليد الدوافع واستثارتها وتنويعها. ومن أبرز هذه الدوافع:

الأسئلة: التي تتخلل فقرات التدريس في كافة المكونات والمجالات، سواء الصادرة من الأستاذ أو من الطلبة.

الحوار: الذي ينبغي أن يكون مفتوحا باستمرار بين المعلم والمتعلمين باللغة العربية الفصيحة، وقد يكون في سياق مفتوح أو سياق مغلق كالمناظرة.

المواقف: خاصة التي تبعث على الانفعال التلقائي، ويجب إعدادها إعدادا هادفا لبث الدافعية على التعبير.

المشاهد: في صور وأفلام ومناظر تعد خصيصا لاستدعاء التعليق من المعلمين باللغة العربية الفصيحة.

التلخيص: الذي يطلبه المدرس من المتعلمين بعد قراءة قصة أو مقالة أو نص أدبي وغير ذلك.

البواعث الشخصية: من فرح أو غضب، وألم أو أمل، يعتبر دافعا هاما صادرا من المتعلم، يدفعه دفعا للتعبير وإرضاء خاطره والتأثير في المتلقي، لذلك يتم اختيار الألفاظ والعبارات والأساليب التي تؤدي تلك الوظائف. وهذا يتطلب تدريبات متواصلة وتمكنا من صياغة الجمل بفعالية.

• مضمون الكلام:

ونعني به المعاني والأفكار والمشاعر التي يريد المتكلم التعبير عنها وإيصالها إلى المخاطب، فقد يكون مضمون الكلام عبارة عن أسئلة أو إجابات وردود؛ وتختلف المضامين حسب السياق والموقف، وحسب طبيعتها من الجدي إلى الهزلي، ومن العلمي إلى الفني، ومن الاجتماعي إلى اللغوي.. لذلك على المدرس تنويع الموضوعات وأنواع النصوص والأنشطة التعليمية التعلمية، من رحلات إلى زيارات إلى رياضة وتسوق.. ليكتسب المتعلم مهارة في اختيار المضامين المناسبة في التعبير، ويكونَ قادرا على إيضاح الأفكار والتدرج في عرضها. ويعمل المكون الثقافي وظيفة هامة في تزويد المتكلم بالمعلومات والحقائق وإغناء محتوى الكلام وتيسير التواصل مع الناطقين باللغة العربية، سواء أكان ذلك ثقافة دينية أو اجتماعية أو تراثية أو تاريخية أو جغرافية...

• الرصيد اللغوي:

وهو مجموع المفردات والتراكيب وكيفيات التعبير المناسبة للمواقف المتنوعة، وهذا الرصيد هو الذي يترجم دوافع المتكلم ومضامين الكلام إلى تعبيرات منطوقة أو مكتوبة؛ لذلك فإن هذا الرصيد لا يستعمل جملة وفجأة دون ضابط تنظيمي أو وعي في تنسيق الجمل والعبارات، بل يتطلب معرفة بالنظام اللغوي للعربية، تتمثل في فهم نظام الصوت العربي وبناء المفردات مع استيعاب للقوانين والقواعد الصرفية والنحوية، والأساليب البلاغية، مما يمكن المتعلم من إتقان صياغته للعبارات، وحسن اختياره للأنسب منها.

• الانفتاح على العالم الرقمي:

ونقصد به ولوج عالم الرقميات والمنجزات التكنولوجية الحديثة ضمن إطار ومنهجية منظمة، لما لها من أهمية في تيسير التعليم وتحسين جودته، وتعزيز فعاليته من خلال تقديم أدوات وتقنيات مبتكرة تساعد في تحقيق أهداف التعلم، وتعزيز التجربة التعليمية وتقريب المعلومة من المتعلم بأيسر الطرق، إضافة إلى توفير احتياجاته المتسارعة من المواد التعليمية الرقمية في الكتاب والمقالات المنشورة. ويتيح هذا العالم بيئة تعليمية تسهل التفاعل بين المتعلمين والتواصل فيما بينهم مما ينمي القدرة على التعبير وتنويع الأساليب خاصة في الفصول الدراسية الافتراضية ومنصات التواصل الإلكتروني والاجتماعات عبر الفيديو والمنتديات، إضافة إلى البرامج التعليمية والألعاب والمحاكاة بطرق شيقة وفعالة مما يعزز مهارة التعبير وتحسين مستوى المتعلمين.

وتجدر الإشارة إلى أن العالم الرقمي يساعد المتعلم على التعلم الجماعي والتعلم الذاتي والاعتماد على النفس في البحث والتنقيب وحرية الاختيار وعلى التقييم الذاتي، ويمكن المعلمين أنفسهم من استخدام برامج وأنظمة إدارة التعلم التي توفر أدوات لقياس أداء الطلاب وتحليل إنتاجهم من خلال اختبارات تفاعلية.

ثانيا: أقسام التعبير وطرق تدريسها:

1- التعبير الشفوي:

هو الأسلوب الطبيعي للتعامل مع الناس في الحياة وتحقيق الأغراض التواصلية، لذلك فهو الأكثر استعمالا، حيث يتم من خلال تبادل الكلام نطقا بين شخصين أو أكثر حول موضوع معين، والغرض منه هو تحقيق الفهم والإفهام. وتتعدد أشكال التعبير الشفوي، بحيث نجد منها المناقشات وإعطاء التعليمات والإرشادات والحكايات والإخبار والتعليق والوصف والإجابات عن الأسئلة وغيرها.

ويحظى التعبير الشفوي في مجال تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها بمكانة خاصة، وعني المهتمون به في برامج التعليم واتخذوه معيارا أساسا لتحقيق الكفاية اللغوية، لأن تعلم التعبير بطلاقة باللغة الهدف يعني أن المتعلم مؤهل للاندماج السلس في مجتمع تلك اللغة.

أهم طرق تدريس التعبير الشفوي وأساليبه:

1-1- الحديث باللغة العربية الفصيحة المبسطة في كل مراحل التدريس لتحفيز المتعلمين على التحدث بها والتفاعل أثناء التعلم والتواصل.

1-2- وضع برنامج للانغماس اللغوي، بوصف الانغماس أسلوبا تعليميا وتعلميا فاعلا ينمي مهارات المتعلمين اللغوية والتواصلية، ويعمل على تطوير كفاءاتهم واتجاهاتهم حيث يتعرض الطالب من خلاله -وفي وقت أطول- للمواقف الطبيعية مع الناس والبيئات التفاعلية والمحيط المحفز على التعبير التلقائي، بعيدا عن الفصل وجو التدريس المقيد؛ مما يمكنه من تنمية حصيلته اللغوية وتنمية الدقة أثناء استخدامه للكلمات والجمل، ويحفزه على التواصل معبرا عن أفكاره ومشاهداته ومواقفه الطارئة أثناء الانغماس اللغوي في البيئة الناطقة باللغة الثانية، مستمعا ومحاكيا ومكررا ومراجعا.

1-3- إتقان تدريس مهارة القراءة ومتابعة مدى تطور مستوى المتعلمين وإدراكهم للنظام الصوتي العربي وتوسيعهم للقاموس اللغوي، ونركز هنا على القراءة الجهرية للنصوص القرآنية والقصص والشعر والمقالات التي ينبغي الإكثار منها واستثمارها في تعلم طلاقة التعبير وتطوير مهارات النطق، بالممارسة والتكرار، ومن ثم ستكون سبيلا إلى طلاقة اللسان ودقة القراءة خاصة إذا صاحبها حفظ لبعض العبارات والأبيات الشعرية والأمثال وغيرها. <<وتعتمد القراءة الجهرية على ثلاثة عناصر أساسية هي: رؤية الرمز المكتوب بالعين، ونشاط الذهن في إدراك معنى الرمز، والتلفظ بصوت مسموع يعبر عن دلالة الرمز أو الحرف>> .

وتعين القراءة الجهرية على تمثل المعاني ومعرفة علاقاتها تبعا لتوزيع الجمل في النص ونظام الفقرات وقدرة القارئ على رؤية أكبر عدد من الجمل والعبارات، وهكذا بالدربة والمران يصبح المتعلم مؤهلا للتعبير الشفوي، ويستطيع استدعاء المفردات والجمل في أي سياق طارئ.

1-4- مساعدة الطلاب على إزالة موانع الحديث: كالخجل والخوف والحواجز النفسية الممكنة، ويتم ذلك من خلال تواصل إيجابي مع المتعلمين وتثمين إجاباتهم والثناء عليهم، وعدم نقد تفاعلهم مع الدرس، ويستحسن في التعبير الشفوي عدم التوقف كل حين لتصويب الأخطاء وتصحيحها، لأن ذلك يقتل حافز المتعلم على التحدث ويفضل السكوت والسكون بدل التعبير.

ومن أساليب التشجيع على التحدث توجيه الأسئلة للمتعلمين وطلب الإجابة على أن تكون أسئلة واضحة ودقيقة ومحفزة على الحديث، على أن يقبل الأستاذ الإجابة مهما كانت لأن الهدف هو أن يتفاعل المتعلم بالحديث ويدفع عنه الخجل والخوف من الخطأ.

1-5- تخصيص وقت لممارسة الكلام بين المتعلمين: بعد ما مروا بمراحل من الاستماع والقراءة، حيث ينبغي تخصيص أوقات مدروسة بعناية في جميع الحصص للتعبير عبر مراجعة محاور الدرس أو الحديث عن قضية من قضاياه، أو مناقشة مشكل أو التخطيط لنشاط معين. ويستحسن أن يفتعل المدرس مواقف اتصالية والتعبير عن الأفكار والمشاعر بشكل حر لكنه موجه إلى تحقيق هدف معين.

1-6- تفعيل الدردشات عبر الأنترنت: من بين الوسائل الفاعلة والمهمة في تدريس التعبير الشفوي، خاصة الدردشات الصوتية عبر وسائط التواصل الاجتماعي، من خلال التواصل مع مجموعة معينة من المتعلمين، على أن تكون هذه الدردشة هادفة وقاصدة تمكن المعلم من تتبع عثراهم والتعرف على مدى طلاقتهم وقدراتهم على التواصل المباشر مع أصدقائهم.

1-7- إحداث بيئة للاستماع لقراءة النصوص الأدبية والفنية القصيرة، فكثرة السماع تنشط الذهن وتنمي الحافز على البحث والقراءة، خاصة وأن اللغة أساسها النطق وباب النطق للعقل الأذن، لذلك فالسماع أولى في تعليم اللغة وتعلمها، ومن هذا المنطلق فإن إحداث بيئة للاستماع يخدم تنشيط القراءة الجهرية، وينشط ذهن المتلقي للمتابعة وربط اللاحق بالسابق.

1-8- ربط دروس العربية في المستويات السابقة بموضوعات الحياة مما يتيح للمتعلم التفاعل أكثر؛ أي أن التمثيل لقواعد النحو ودراسة المفردات ينبغي أن ينبع من الواقع المعيش للمتعلمين، وفي المستوى المتقدم يتم اختيار النصوص في المراحل الأولى من القضايا المعيشة التي يحتاجون إلى مناقشتها آنيا باللغة العربية، وبالتدرج ينفتحون على نصوص قديمة في سياق التعرف على الثقافة العربية القديمة.

1-9- مشاهدة عروض تمثيلية باللغة العربية الفصيحة، تناقش موضوعات متنوعة اجتماعية وسياسية، جدية وهزلية، ثم إعادة تمثيل بعض مقاطعها من قبل المتعلمين، محاكاة للممثلين بتكرار عباراتهم اللغوية مصحوبة بالتنغيمات الصوتية التي تقتضيها أساليب الحديث من أمر ونهي، واستفهام وأمر والتماس وتهديد وتوبيخ وغير ذلك؛ وإعادة التمثيل تجعل المتعلمين يعيشون هذه المشاهد لغة وإحساسا، يتطابق فيهما اللفظ والمعنى وغرض التواصل.

1-10- التلخيص الشفهي والتعليق على هذه المشاهد التمثيلية، أو إقامة مناظرات بين طالبين أو أكثر أو بين مجموعات بعد المشاهدة، لمناقشة مفهوم وارد في العرض أو قيمة أو سلوك أو شخصية معينة، ويمكن أيضا قطع العرض في المنتصف أو قبل النهاية وطلب توقع الأحداث والنهايات من الطلبة وهكذا ستتسم الحصة بالتشويق والمتعة والحافزية على التعبير، خاصة إذا طلب من المتعلمين إدراج شخصيات وأمكنة وأحداث جديدة للقصة. ويدخل في هذا الأمر تلخيص القصص شفويا على أن تكون قصصا مشوقة تناسب مستوى الدارسين وأذواقهم وبعيدة عن التعقيد.

1-11- التعبير بالتغيير، ونقصد به تحويل العبارات المسموعة في العرض أو المكتوبة في نص مقروء إلى عبارات أخرى، حيث تتحول جمل الأمر إلى نهي والعكس، وتحول جمل الاستفهام إلى تعجب، وجمل الاستثناء إلى جمل مطلقة بدون استثناء، وجمل الإثبات إلى نفي، والتشبيه إلى استعارة، والجمل الخبرية إلى إنشائية وهكذا سيتم تفعيل التنشيط الذهني للمتعلم، ويوقفه على تنوعات مختلفة للعبارات تتنوع بها المعاني المعبر عنها.

1-12- توظيف التعبير بالإشارة إلى جانب التعبير الشفوي، وهذه الطريقة تسهم في بيان المعنى وتفهيم المتلقي، من خلال توظيف اليد أو الرأس أو العين أو الأكتاف حسب ما تقتضيه الثقافة العربية.

1-13- إقامة مسابقات في التعبير الشفوي مع تحديد موضوع التعبير وزمنه وعدد الجمل المستعملة، ولا يخفى ما في هذه الطريقة من التشويق والمتعة والتنافس الشريف وطرد الملل والخجل.

1-14- عرض فيلم وثائقي قصير حول قرية أو شخصية أو منظر طبيعي أو قضية من قضايا الحياة، ويتم كتم الصوت وترك المجال للمتعلم ليمثل دور المعلق. والآخرون يلاحظون ويستمعون ويسجلون ثم يقومون بتقويم إنجاز زميل(ت)هم.

1-15- انتقاء نكت ونوادر هزلية قصيرة وهادفة، يعرضها المعلم بطريقة مشوقة، ثم يعيدها المتعلمون. واحدا واحدا وقوفا أمام الجمهور من زملائه.

1-16- تحويل برامج الهاتف والحاسوب والتلفاز إلى اللغة العربية، وفتح فسحة للنقاش حول مضامين هذه الأجهزة ومحتوياتها باللغة العربية.

1-17- تحديد بعض البرامج الإعلامية وفترات الأخبار التي تتم باللغة العربية الفصيحة قصد التعرف على نمط آخر من الخطاب في نقل الأخبار والتعليق على الأحداث.

1-18- تزويد المتعلمين برصيد من المصطلحات العلمية والفنية بالتدرج تساعده على التعبير أثناء النقاشات والحوارات في مجال العلم والمعرفة، ويعتمد في هذا الأمر على نصوص علمية وبرامج وثائقية علمية.

2- التعبير الكتابي:

يعد التعبير الكتابي مهارة إنتاجية وملكة تواصلية تتطلب تدريبا وفنا في استعمال اللغة، ويختلف عن التعبير الشفوي بكونه يتمثل في التعبير بالخط عن الأفكار والمشاعر وقضاء الأغراض المختلفة، لذلك فهو يتطلب تأنيا في الكتابة وتفكيرا منظما تنتظم بموجبه عناصر الكلام ومكوناته إضافة إلى الدقة والوضوح وحسن العرض والترتيب.

وهو ناتج مسار من التعلم في المراحل السابقة، إن أُحسِنت أُحسنَ، وإن كان العكس وجد المتعلم مشكلا في التعبير عن أفكاره ومشاعره بواسطة الكتابة. لذلك فإن تعلم التعبير في المستويات الأولى ينبغي أن يمهد الطريق لتعلمه بكيفية تناسب مستوى المتعلم المتقدم، وأن تكون مراحله متدرجة متتابعة، لذلك فإن جميع المهارات السابقة من استماع وقراءة ومحادثة وجميع مكونات تعليم العربية من أصوات وإملاء ونحو وبلاغة أساس في تأهيل المتعلم للتعبير الكتابي.

ويتجلى التعبير الكتابي في أشكال متنوعة تتنوع بموجبها أساليب استعمال اللغة وتوظيفها، حيث نجد منها: كتابة الأخبار والوصف والتلخيص وكتابة القصة والرواية والشعر وكتابة التقارير والرسائل بأنواعها ومختلف الموضوعات وكلمات المناسبات وغير ذلك.

أنواع التعبير الكتابي بحسب الغرض:

2-1- التعبير الوظيفي:

يتمثل هذا النوع في استعمال اللغة كتابة من أجل قضاء أغراض حياتية مختلفة، قد تكون مهنية أو اجتماعية، و<<يقصد به ذلك النوع من التعبير الذي يهدف إلى تحقيق وظائف اجتماعية للإنسان، هي الاتصال بغيره، لتنظيم حياته، وقضاء حاجاته>> . وهو أكثر تحديدا واختصارا في الغالب، ويتطلب لغة تقريرية مباشرة، وتسلسلا في الأفكار، ويتم التركيز فيه على الموضوع. ومن أمثلته: الرسالة الوظيفية – الدعوة – التقرير – محضر الاجتماع – التلخيص – المقالة غير الأدبية...الرسالة الإلكترونية.

يتوقف تعليم التعبير الوظيفي على مسارين: مسار تعليم التعبير اللغوي المناسب للكتابة المهنية أو التجارية أو المؤسساتية أو الاجتماعية حسب طبيعة المجال الذي توظف فيه أشكال التعبير الوظيفي وقد يدخل هذا في تعليم اللغة لأغراض خاصة. والمسار الثاني يتعلق بتقنيات الكتابة التي تختلف من شكل إلى آخر، ذلك أن ما يستعمل في الدعوة لا يستعمل في التقرير، وما يتطلبه المقال الصحفي من تقنيات يخالف ما تتطلبه رسالة طلب أو التماس أو إنذار، وهكذا كل شكل يتطلب تقنيات في الكتابة حتى يؤدي وظيفته الاجتماعية أو المهنية المنتظرة.

2-2- التعبير الإبداعي:

هو استعمال اللغة بطريقة فنية أدبية، لنقل الأفكار والأحاسيس، بأسلوب متميز يكشف عن موهبة فنية في الكتابة ورؤية خاصة للوجود تؤثر في المتلقي وتثير انفعالاته. ومن أمثلته: الشعر بأنواعه، والروايات والقصة والمقالات الأدبية والخطابة والمسرحية وغيرها.

وغير خاف أن هذا النوع من الكتابة يتطلب كفاية إبداعية وفنية تتمثل في الذوق الفني والملكة اللغوية الإبداعية ووعيا بخصوصية الأجناس الأدبية، لأن كل جنس له أساليبه وبناؤه الفني ووظائف أدبية تخصه، ما يعني أن امتلاك هذه الكفاية يقتضي استراتيجيات خاصة وطرقا في التدريس والتعليم والتعلم.

2-3- الطرق العامة لتدريس التعبير الكتابي:

تجدر الإشارة هنا إلى أن ثمة طرقا تم ذكرها في تدريس التعبير الشفوي بمكننا استثمارها أيضا في تدريس التعبير الكتابي بصورة مندمجة، وهناك طرقا أخرى نعرض لها في الآتي:

2-3-1- استثمار المواقف الدراسية المختلفة والثرة، المليئة بالمعلومات، حيث يمكن أن يستقي منها الدارس عناصر التعبير الشفهي بغرض التدريب على عناصر التعبير التحريري.

2-3-2 تعليم التعبير الكتابي في جو من الحرية، وعدم التكلف في اللغة، وتزويد الدارسين بمعايير تستخدم عند الكتابة، مما يحقق تقدما في كتاباتهم.

2-3-3- إتقان التخطيط العام لمناهج تدريس التعبير الكتابي، وحسن التخطيط للموضوع وتقسيمه إلى مقدمة، وعرض، وخاتمة، مع سلامة التفكير في المقدمة والعرض والخاتمة الموجزة التي تلخص الموضوع، تتضمن النتائج والمقترحات.

2-3-4- التعبير في مواقف طبيعية، بحيث تؤدي اللغة وظائفها، فهذه المواقف ينتجها المعلم للدارسين.

2-3-5- استخدام علامات الترقيم، ومراعاة وضعها.

2-3-6- أن تكون الأفكار مناسبة للموضوع " .

2-4- طريقة كتابة فقرة:

نعتمد في هذه المرحلة على تعليم كيفية كتابة الفقرة، وعيا منا بأن المتعلم قد استوفى الشروط الأساس للتعبير بالكلمة وبالجملة، وأن متطلباته الثقافية والاجتماعية والمهنية والفكرية تقتضي الارتقاء به إلى التعبير بالفقرة عن موضوعات مختلفة إما تفسيرية أو حجاجية أو إخبارية أو ذات طبيعة سردية وغيرها من أنماط الفقرات والنصوص. لذلك نرى أن العناصر المسهمة في تشكيل الفقرة تختلف حسب نمطها وطبيعتها.

2-4-1- الفقرة التفسيرية:

وهي الفقرة التي يقوم فيها الكاتب بتفسير موضوع ما أو مفهوم أو وجهة نظر بالشرح والتحليل والمقارنة، ويبنى تدريسها على الخطوات الآتية:

أولا: تحديد موضوع الفقرة المراد التعبير عنه. ويفضل أن يكون من اختيار المتعلمين وفقا لخبراتهم وتجاربهم. مثل موضوع: السعادة.

ثانيا: تحديد الجملة الرئيسة للفقرة: بحيث يوجه المعلم الدارسين إلى أنه يشترط أن تشتمل على مكونين اثنين: الأول: الموضوع، والثاني: الفكرة الأساس حول الموضوع، وهي التي ستهيمن على باقي الأفكار، وتعتبر موجهة لما بعدها. مثل: (يظن بعض الناس أن السعادة في جمع المال فقط).

ثالثا: تحديد الجمل المساندة، التي تقوم بدور الشرح والتوضيح وتطوير فكرة الموضوع أو التعقيب على بعض الآراء والأفكار وتقديم أمثلة واقعية أو تاريخية وغير ذلك من التفاصيل. مثل:

- يحس الإنسان بالسعادة عندما يكون بصحة جيدة.

- السعادة إحساس في القلب بالسرور والبهجة.

- لا تتحقق السعادة بالمال فقط.

- مساعدة الناس تشعر بالسعادة.

- هناك من يملك أموالا كثيرة لكنه يموت منتحرا.

- السعيد دائم الابتسامة.

- السعادة الحقيقية في الفوز بالجنة.

- صاحب القلب الأسود لا يعرف السعادة.

- من أسباب السعادة مساعدة الآخرين والوقوف إلى جانبهم.

رابعا: الربط بين هذه الجمل لتكوين فقرة متكاملة ويستحسن أن يعتمد المدرس على المجموعات وإعطائهم فرصة لتركيب الفقرة واختيار أدوات الربط والعبارات المناسبة، بحيث يتحقق التماسك والترتيب المنطقي وتجنب التكرار.

خامسا: وضع مقدمة مناسبة للفقرة تتضمن الجملة الرئيسة. ثم اختيار الجملة الختامية المناسبة. وتقديم الفقرة في صورة متكاملة مع مراعاة علامات التنقيط.

سادسا: التقييم: ويتم من خلال تبادل الفقرات بين المجموعات ومراجعتها والوقوف على الأخطاء إذا وجدت، ثم إظهارها للأستاذ قصد تصويبها. وتنتهي العملية بانتخاب الفقرة المتميزة قصد نقلها وحفظها في الكراسات.

2-4-2- الفقرة القصصية:

وهي التي يعتمد فيها الكاتب على سرد الأحداث من خلال التفاعل بين شخصيات في أزمنة وأمكنة معينة. ونجمل خطواتها في الآتي:

أولا: قراءة قصة قصيرة نموذجية، ثم مناقشة شفوية لعناصر تكوينها: من أحداث وشخصيات وأزمنة وأمكنة، ثم استخراج بنائها العام من مقدمة ووسط ونهاية.

ثانيا: تحديد موضوع ستدور حوله أحداث قصة مفترضة.

ثالثا: تحديد الشخصية الرئيسة: التي عليها مدار الأحداث في تلك القصة.

رابعا: تحديد الحدث المركزي وقد ينطلق من تجربة حياتية واقعية. (في صياغات مكتوبة)

خامسا: تحديد الأحداث الثانوية: التي سبقت أو تلت الحدث المركزي. (في صياغات مكتوبة)

سادسا: تحديد زمن الأحداث هل وقعت في الماضي أم في الحاضر أم ستقع في المستقبل.

سابعا: بناء القصة بناء فنيا بالتعاون بين الدارسين، بمراعاة مقدمة القصة وتسلسل الأحداث

ثامنا: اقتراح نهاية للقصة تكون مفتوحة أو مغلقة.

تاسعا: التقييم والتقويم.

2-4-3- الفقرة الوصفية:

وهي الفقرة التي يعنى فيها الكاتب بوصف شخصية أو شيء ما أو منظر أو لوحة، ويتم ذلك في سياق التعبير الكتابي كالآتي:

أولا: تحديد الموصوف: الشخص – المكان – الشيء

ثانيا: تحديد هدف الوصف والموقف من الموصوف.

ثالثا: تحديد العناصر المراد وصفها.

رابعا: كتابة عبارات واصفة ثم ترتيبها.

خامسا: تركيب الفقرة الوصفية.

3- دعامات تدريس التعبير:

نقصد بالدعامات أمورا تدعم المسار التعليمي للمعلم والمسار التعلمي للدارسين، وتنمي قدراتهم على القيام بالمهام والأعمال، كما تسهم هذه الدعامات في نجاح عملية التدريس وتوفر أجواء من الثقة والتفاعل الإيجابي بين الجميع، ونقصد بها: التعلم التعاوني والتقييم وأدبيات التواصل.

الدعامة الأولى: التعلم التعاوني:

ندعو فيها إلى استعمال استراتيجية التعلم التعاوني الذي يعتمد على المتعلم نفسه، من خلال انتمائه إلى مجموعة تشترك معه في مهمة معينة قصد تحقيق هدف ما، وهذا ما يشعر المتعلم بالقوة والثقة في النفس والإيجابية في المشاركة، لأنه يحس بالمسؤولية مع نظرائه في المهمة المنوطة بهم، وبأن نجاحه نجاح لهم والعكس صحيح.

إن التعلم التعاوني ميدان رحب لتنمية المهارات الاجتماعية والتواصلية مثل: فهم الذات، فهم الآخر، التواصل اللغوي، التعاون، الإيثار، تبادل الاحترام، التخطيط والتنظيم؛ ويقلل من الخوف والقلق والتوتر المصاحب لعملية الكتابة، ويقضي على انطواء بعض الطلاب كما يدعم الشعور بالثقة، ويعزز النجاح، ويفيد في تنمية القيم الأخلاقية والميول نحو الكتابة والقراءة. لذلك كان التعلم التعاوني استراتيجية ناجعة لتجويد التعليم والتعلم وتطوير خبرات المعلمين والطلبة في الوقت نفسه.

ويشترط لنجاح هذه الاستراتيجية ما يأتي:

• العمل بالمجموعات لتحقيق الشعور بالانتماء وأهداف التعليم التعاوني، مثل تحقيق الانسجام واكتساب المهارات التعاونية والتفاعل والتنافس الهادف والشريف.

• تجانس المتعلمين: حيث ييسر التجانس بينهم سير التدريس والتفاعل بينهم وتحقيق نتائج أوفر. ويختلف الباحثون في مسألة التجانس من حيث تخصصات المتعلمين ما داموا في المستوى المتقدم وقد يكونون كبيري السن لهم تخصصات متنوعة، فمنهم من يقول بجمع المنتمين إلى تخصص واحد في مجموعة واحدة، ومنهم من يرى تكوين المجموعة من متعلمين ينتمون إلى تخصصات مختلفة بحكم أن الاختلاف إثراء وغنى. ومنهم من يترك للمتعلمين حرية تكوين المجموعات، أو تكوينها حسب التقارب في السن والمستوى.

• تصميم المهمات والأنشطة بعناية على نحو يكون معه العمل الجماعي فعالا وذا فائدة، وتعلم الدارسين كيفية تدبير الزمن واحترام المهام.

• المتابعة: وتتم من قبل المدرس لأنشطة المتعلمين وممارساتهم أثناء القيام بالمهام، وذلك قصد ترشيد هذه الممارسة وتوجيه العمل نحو تحقيق الأهداف وربح الوقت.

• مشاركة الجميع في القيام بالمهام وتحفيز كل متعلم على أن يكون قوة اقتراحية داعمة للمجموعة ومساعدة على اتخاذ القرار المناسب.

• أن يؤدي التعلم التعاوني إلى مخرجات واضحة تتمثل في تنمية مهارات الأفراد وإعدادهم إلى القيام بالمهام التعبيرية في استقلال عن الآخرين.

• توزيع الأدوار على المتعلمين حسب المهام المناسبة للنشاط: مثلا: مسير المجموعة، ومقرر لكتابة ما يجري في النشاط، وناطق باسم المجموعة. ولا يخفى ما في هذا الأمر من فوائد جمة تتمثل في مهارات التسيير والتقرير والتعبير الشفوي وغيرها.

الدعامة الثانية: التقييم والتقويم:

تتعلق هذه الدعامة بضرورة مصاحبة التقييم والتقويم لمختلف عمليات التعليم والتعلم والمهام التي يتكلف بها الدارسون حيث يُعدَّان رافعة هامة في تعليم اللغة العربية وتعلمها، وهما في تدريس التعبير أكثر جدوى وأهم بوابة للتعرف على مستويات المتعلمين ومدى قدرتهم التعبيرية بحسب المواقف والأغراض والسياقات. وإذا كان التقييم يساعد على تقدير الأعمال وتثمينها ومعرفة مكامن الضعف والخطأ لمعالجتها فإن التقويم يسهم في ترشيد التعلم وتصحيح مساره من خلال معرفة المتعلمين لإمكاناتهم والوقوف عند واقعهم الحقيقي في التعبير نطقا وكتابة، وفي مدى إتقانهم؛ ويمكن أن يمتد التقييم والتقويم إلى الجوانب الآتية:

 سلامة الكتابة بالعربية ومدى احترام مهارات الهجاء وعلامات الترقيم والخط.

 صحة الأسلوب ومدى موافقته للقواعد الصرفية والنحوية.

 سلامة المعاني ومدى وضوحها وتسلسلها.

 تكامل الموضوع ومدى استيفائه للمعلومات الضرورية.

 منطقية العرض ومدى مراعاتها لنظام الكتابة والإنشاء.

 استعمال الكلمات حسب السياقات المختلفة.

 التجديد في الأساليب حسب الأغراض.

ويتم التقويم إما:

 عن طريق الأستاذ بطرق مباشرة وأخرى غير مباشرة، كتصحيح الأخطاء بينه وبين المتعلم أو أثناء حصة الدرس دون عرقلة سيره.

 أو بواسطة الطالب نفسه عند سماعه للتصويب من الأستاذ وتسهم هذه الطريقة في إشراك المتعلم في عملية التقويم وتجعله دائم الحضور والتنبه.

 أو عن طريق التصحيح التشاركي عبر النظير أو عبر مجموعات، وعند استعصاء التصحيح يرجع الجميع إلى الأستاذ، وهذا يرسخ صحة التعابير في أذهان الطلبة.

 أو عن طريق تسجيل الأستاذ للملاحظات والأخطاء، ثم يعود إليها أثناء الدروس حسب طبيعة الخطأ ومجاله، بحيث يتم استرجاع الطلبة لأخطائهم والتنبه إليها.

ويشترط في التقييم (التشخيصي والتكويني والختامي)، أن يكون مستمرا موازيا للنشاطات التعليمية شاملا لكافة المعارف المهارات والكفايات والاتجاهات والسلوكات لدى المتعلم، وسواء ما تعلق باللغة أو التعبير أو التواصل والتفاعل أو الاستعمال الفني للغة شفويا وكتابيا؛ وما تعلق بالمكتسبات الذهنية وبالعمليات التجريبية والتطبيقية. وينبغي أن يكون التقييم مرتبطا بالأهداف المسطرة العامة والإجرائية.

الدعامة الثالثة: أدبيات الاتصال اللغوي:

مما لا شك فيه أن الاتصال بين المتكلم والمخاطب لا يتوقف على مجرد النطق بالكلمات أو تبادل العبارات ليحصل التواصل، إنما تتطلب هذه العملية التواصلية فنا في التخاطب له أدبيات وذوقيات تختلف من مجتمع لآخر ومن ثقافة لأخرى؛ لذلك فإن التواصل لكي يؤدي أغراضه في جو من الثقة والاحترام ويسمح بإقامة حوار بناء والتفاعل بين الأطراف المتواصلة لابد من مراعاة مجموع تلك الأدبيات والسلوكات اللغوية وغير اللغوية اللازمة.

فمن هذه الأدبيات ما يتعلق بهيئة المتكلم ولباسه، لأن الحس الجمالي في الهيئة وحسن التحكم في ملامح الوجه يبعث الآخرين على الاحترام وتقبل الخطاب والاستعداد للسماع والتفاعل. مع الإقبال على الآخرين بالوجه والنظر إليهم للدلالة على الانتباه والحرص على التواصل.

ومنها ما يتعلق بصوت المتكلم أثناء كلامه، حيث يؤثر وضوح الصوت والنطق بالحروف أو عدمه في التجاوب مع المتكلم وفهم رسالته وبلوغ غرضه منها، كما يعتبر النبر الصوتي حاسما في الأثر الذي يتركه الكلام في المتلقي من خلال رفع الصوت أو خفضه وتلوينه وتنغيمه وإبطاءه وإسراعه، وتفخيمه وترقيقه، ومن خلال الضغط على بعض الحروف والكلمات. علما بأن النبر والتنغيم له علاقة وطيدة بالحالة النفسية للمتكلم وبالتلوينات الأسلوبية التي يتشكل منها التعبير شفويا كان أو كتابيا.

ومنها ما يتعلق بالكلام نفسه من حيث أهدافه ومحتواه، وما يجب أن يتوفر فيه من فصاحة ووضوح، ودلالة على المعنى بدقة، بدون إطناب ممل، ولا إيجاز مخل؛ وما يتطلبه من تنوع في الأساليب وحسن اختيار للعبارات والكلمات، وكذا مناسبته لسياق التواصل ومقام التخاطب ومستوى المخاطب، فلكل مقام مقال، لذلك ينبغي تحسيس المتعلمين بضرورة مراعاة مواقف الخطاب وسياقات التفاعل مع الغير لأنها تؤثر في طبيعة الكلام وفي المتلقي. وتجدر الإشارة هنا أيضا إلى أن ثمة أدبيات في التواصل في السياق العربي لها أهميتها وأثرها البالغ وتتعلق ببعض المفاتيح الكلامية والأعراف الثقافية التي تبعث النفس على التلقي الإيجابي والتواصل البناء في جو من الاحترام والتقدير ومنها:

• التحيات أثناء اللقاء أو عند الوداع والمجاملات التي تحفل بها الثقافة العربية.

• استخدام الألقاب والمخاطبات المناسبة. ( الرسمية وغير الرسمية)

• الاحترام والتواضع في المحادثات وعدم المقاطعة للآخر.

• فهم الفروق الثقافية بين المتكلمين والاختلاف في التواصل بين الثقافات.

• مراعاة القيم والتقاليد العربية الأساس.

• تعلم كيفية تجنب سوء الفهم الثقافي.

• ممارسة الانفتاح والمرونة في التفاعلات الثقافية.

• تعلم كيفية "قراءة" المواقف الاجتماعية في السياق العربي.

ومحصلة البحث إن << الكلام صفة المتكلم، فبمقدار ما يكون الكلام محتويا على شروطه الموضوعية والأخلاقية، فإنك بالغٌ هـدفك منه، ومحققٌ نجاحا لائقا يكسب شخصيتك تأثيرا جميلا في الآخرين.

فالكلام أوسع طرائق الاتصال الأربع التي ينبغي للمرء أن يتقنها ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فإن أتقنها غدت مهارةً يمتاز بها، وفنا رفيعا يمهّد سبل النجاح لصاحبه، ويُعينه على إنجاز علاقاتٍ وثيقة وفاعلة مع الآخرين، فالكلام نظام لغوي مكتسب، وبمقدار مهارة الشخص في استخدام الكلام في الموقف اللغوي تكون فاعلية الاتصال... [و] لما كان الاتصـال الكـلامي أكثر أشكال الاتصال شيوعا فإن الحاجة إلى الثروة اللغـوية، بما فيها من أساليب بيانية ومفردات ملائمة ومصطلحات متفق عليها، وعبارات تتناسب وطبيعة الشخص المقابل، تغـدو أمرا ضروريا ورئيسيا في اكتساب مهارة الاتصال الكلامي، فضلا عن سائر أدبيات الكلام>> .

خاتمة:

تزداد في المستوى المتقدم متطلبات المتعلم الفكرية والثقافية واللغوية من أجل ممارسة الحوار والتعبير باللغة العربية، على أساس أن التعبير انتقال بالمتعلم من حفظ الكلمات والقواعد إلى استعمال اللغة وممارستها في أوساط مختلفة وأداء مهام متنوعة تبعا للمواقف الطارئة والحاجيات اليومية المتسارعة، ولذلك فإن تدريس التعبير لهذا المستوى يقتضي أشكالا من الإعداد تسهم في تأهيل المتعلم إلى التحدث بطلاقة والكتابة بسلاسة وهذه الأشكال هي:

- الإعداد النفسي

- الإعداد اللغوي

- الإعداد الثقافي

- الإعداد التربوي

ما يجعل من عملية التعليم عملية معقدة وتحد كبير يستدعي من المهتمين أفقا عاليا من الوعي بخصوصية هذا المستوى وطبيعة المهارات التي تصبو إلى تحقيقها، المر الذي يتطلب منهاجا خاصا برؤية عميقة وشمولية تمتد إلى ما هو نفسي وثقافي ولغوي ومنهجي.

مراجع:

- حماد، خليل عبد الفتاح، ونصار، خليل محمود، فن التعبير الوظيفي، مطبعة ومكتبة منصور، غزة، الطبعة الأولى، 1423هـ-2002م، ص 20.

- عيسى، راشد علي، مهارات الاتصال، سلسلة كتاب الآمة، العدد 103، رمضان 1425 هـ. ص: 112.

- الكحلوت، والكحلوت، مدى تحقيق مشروع تحدي القراءة لأهدافه لدى طلبة وكالة الغوث الدولية في فلسطين- دراسة تقييمية- مجلة الدراسات والبحوث التربوية، المجلد1، العدد2، 2021، ص 120.

- ينظر: شعيب، أبو بكر عبد الله، المهارات اللغوية مفهومها – أهدافها – طرق تدريسها – تقويمها، مكتبة المتنبي، الدمام، ط1، ص136-137.

- هدى علي جواد الشمري، سعدون محمود الساموك، مناهج اللغة العربية وطرق تدريسها ، ط 1 ، 2005 دار وائل للنشر والتوزيع .


شارك المحتوى

د. الحبيب مغراوي
أستاذ في النقد والبلاغة خبير دولي في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها


الدكتور الحبيب مغراوي هو أكاديمي مغربي متخصص في البلاغة والنقد وتحليل الخطاب. يعمل أستاذًا في جامعة السلطان مولاي سليمان بمدينة بني ملال، شعبة اللغة العربية وآدابها، عضو مختبر الدراسات الأدبية واللسانية والديداكتيكية.

أحدث الإضافات


تدريس التعبير للناطقين بغير العربية - المستوى المتقدم
الملكة اللغوية: طبيعتها ووسائل اكتسابها
تعقيب على ورقة الأستاذين عبد الرحيم وهابي وعبد القادر بقشى: اشتغال المصطلح في نسق المشروع البلاغي عند عبد القاهر الجرجان