تدريس النص السردي للناطقين بغير العربية
د. الحبيب مغراوي
جامعة السلطان مولاي سليمان- المملكة المغربية
ملخص:
تقديم
أضحى تدريس الأدب في مجال تعليم العربية للناطقين بغيرها حاجة ملحة، تقتضيها الآفاق التعليمية والغايات البيداغوجية التي يضعها الدارسون والمهتمون، والتي تختلف باختلاف طبيعة المتعلمين وحاجاتهم اللغوية والتواصلية والثقافية والفنية.
وقد كاد المتخصصون يجمعون على أن إدماج مكون الأدب في المناهج التعليمية لا يحقق نموا في الرصيد اللغوي للمتعلم فحسب، بل يعتبر مجالا خصبا وحيويا لتنشيط الممارسة التعليمية، وتوسيع وعي المتعلم بالحياة والثقافات وامتلاك الكفايات التعبيرية للتواصل الفعال مع المحيط المعيش، إضافة إلى الإسهام في تكوين الملكة الأدبية، وتنمية الذوق والقدرة على النقد والقراءة الواعية للنصوص الإبداعية، مع احترام الآخرين وتقدير أفق تلقيهم للمعنى الأدبي.
من خلال الأدب يمكننا أن نعبُر إلى الإنسان ومنه إلى الحياة، فنتعرف عليها مُصاغة بلغة خاصة، متسللين إلى تفاصيلها متوسلين بعناصر فنية قد تكون موسيقى وإيقاعا، وقد تكون صورة بلاغية أو رمزا أو مكانا أو شخصية أو أحداثا وغير ذلك؛ مما يضفي الحيوية على الدرس الأدبي ويرفع من منسوب التشويق لدى المتعلمين، ويحببهم أكثر في تعلم اللغة العربية واستعمالها بمستوياتها المختلفة، كما يشجعهم على التعليم الذاتي والتعرف على خصوصية الأدب العربي وثقافته.
إن هذه القيمة الاعتبارية للأدب في مجال تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، يضع المعنيين أمام تحديات جمة، وصعوبات كثيرة، على المستويين النظري والإجرائي التطبيقي. بحيث يتعين أولا تحديد مفهوم الأدب المراد تدريسه لهذه الفئة، وطبيعته الخاصة ومستوياته الفنية وطبيعة اللغة وطبقاتها، أما على المستوى الإجرائي فالأمر يستدعي النظر في أنجع الاستراتيجيات الممكنة لتدريس كل جنس أدبي على حدة؛ وفي طرق تنزيلها وتبسيطها بما يتوافق ومستويات المتعلمين وحاجاتهم، إضافة إلى التجديد في الوسائل والأدوات الموظفة في التدريس وإدماج العالم الرقمي في العملية التعليمية في أفق إعداد أدب رقمي للمتعلمين الناطقين بغير اللغة العربية.
ولعله من البدهي أن نشير إلى أن الأدب ليس جنسا واحدا، ولا نوعا أو نمطا واحدا يتكرر أمام المتعلمين، بل إنه نسيج من أجناس الأدب المتنوعة، بحيث يختلف كل جنس عن الآخر بشروط إنتاجه، وبخصائصه الفنية ومنهجيات تلقيه، مما يؤثر في استراتيجيات قراءته وتدريسه. فالنص الشعري يختلف في بنائه ولغته عن النص القصصي أو النص الروائي، أو الخطبة أو المقامة، كما تختلف الرسالة عن المقالة الصحفية أو النقدية، غير أن هذا الاختلاف ليس مطلقا، لأن ثمة تداخلا بين هذه الأجناس في بعض العناصر التي تمليها الطبيعة الفنية والإبداعية للأدب.
وفي بحثنا هذا سنحاول استشراف عالم النثر الأدبي من بوابة السرد، استكمالا لمشروع نؤسس له، يهدف إلى وضع معالم واضحة لاستراتيجيات ناجعة لتدريس الأدب للناطقين بغير العربية، خاصة مع قلة الكتابة العميقة والمتخصصة في هذا المجال؛ وسنعتمد على القصة بوصفها نمطا سرديا يتماشى مع الأهداف البيداغوجية والغايات التعليمية، ويحقق نوعا من الشمول في اكتساب المتعلم للكفايات المختلفة.
(المقال كاملا، من حقوق النشر لدى مؤسسة الإيسيسكو)